وجاء من أوصافه كونه e أنه خاتم النبيين ، وذلك قول الله تعالى : (( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا )) [ الأحزاب : ٤٠]
وضرب النبي e لنفسه مثلا على كونه خاتم النبيين فقال : (( مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَكْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ : مَا رَأَيْنَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِلَّا مَوْضِعَ هَذِهِ اللَّبِنَةِ . فَكُنْتُ أَنَا هَذِهِ اللَّبِنَةَ )) . أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة .
وإذا دققت في هذا الحديث وألفاظه وجدت ما يتفق معه في المعنى ويتقارب مع ألفاظه في بشارات التوراة والإنجيل والزبور ، فمن زبور داود والمعروف عند اليهود بالمزامير ( المزمور 118/20-26 ) : (20 هَذَا الْبَابُ لِلرَّبِّ . الصِّدِّيقُونَ يَدْخُلُونَ فِيهِ. 21 أَحْمَدُكَ لأَنَّكَ اسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلاَصاً. 22 الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ألزَّاوِيَةِ. 23 مِنْ قِبَلِ \لرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا. 24 هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي صَنَعَهُ الرَّبُّ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ. 25 آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! 26 مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ. بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ ) .
فانظر مدى التشابه بين كلامه e في الحديث وبين كلام داود في هذا المزمور ، تجد مثلا التشابه في قوله e : ((بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَكْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ )) . وكلام المزمور : (( 22 الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ألزَّاوِيَةِ. 23 مِنْ قِبَلِ \لرَّبِّ )) .
وبين قوله e : (( فَجَعَلَ النَّاسُ يُطِيفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ : مَا رَأَيْنَا بُنْيَانًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا إِلَّا مَوْضِعَ هَذِهِ اللَّبِنَةِ . فَكُنْتُ أَنَا هَذِهِ اللَّبِنَةَ )) .
وبين ما جاء في المزمور : ((23 مِنْ قِبَلِ \لرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا )).
ثم تلك الصفات التي جاءت مطابقة لأوصاف النبي e ، من قوله : ((26 مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ. بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ ) .
ففيه إشارة إليه e وإلى بلده مكة المباركة ، فهو النبي المبارك من البلدة المباركة .
والذي يثبت صدق هذه الأوصاف عليه e هو ما يشير من نص هذا المزمور أن هذا النبي لم يخرج أو يظهر بعد ، فلذلك كان داود يدعو الرب له يستعجل خروجه وظهوره ، وهذا واضح في قوله : (( 25 آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! 26 مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ )).
وهو الذي خلص العباد من عبادة العباد إلى عباد رب العباد وتوحيده لا شريك له ، وهو الذي أنقذ الله تعالى به عباده من عذابه وأخرجهم به من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ، وهو النبي الوحيد الذي جاء شرعه يبدأ كل شيء باسم الله تعالى فهو المبارك الآتي باسم الرب .
ومن وصفه عند المسلمين أنه المختار ، وأنه الذي يفتح الله تعالى به أعينا عميا ، ويخرج به الناس من الظلمات إلى النور ، وأنه عبد الله ورسوله ، لا صخاب في الأسواق ، وهذه أوصاف تجدها أيضا في التوراة في كتاب ( إشعياء 42/2 – 6 ) : (( هُوَ ذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2 لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ . 3 قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. 4 لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ. 5 هَكَذَا يَقُولُ اللَّهُ الرَّبُّ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحاً. 6 أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ 7 لِتَفْتَحَ عُيُونَا الْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ ) .
ومن أوصافه e المعروفة قبل الإسلام وبعده أنه الصادق الأمين ، وهذا ما ثبت أيضا في ( رؤيا يوحنا ) : ( 19 - 11 : 15 ) : ( 11 ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً ، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. 12 وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ ، وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِّلاَ هُوَ. 13 وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ ، وَيُدْعَى اسْمُهُ « كَلِمَةَ اللهِ ». 14 وَالأَجْنَادُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْل بِيضٍ ، لاَبِسِينَ بَزًّا أَبْيَضَ وَنَقِيًّا. 15 وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ الأُمَمَ ).
البشارات به e في الكتب الأخرى :
ومن درر النقول تلك النقول التي ذكرها شيخنا العلامة الإمام محمد أبو زهرة رحمه الله في كتابه (( خاتم النبيين )) ص ( 88 ) يقول :
وأقدم الكتب التي اشتملت على هذه البشارة بمحمدe كتب الهنود القدماء فإن كتابهم ( فيدا ) قال بعض المطلعين عليه من المسلمين : إن في ( فيدا ) ما يدل على التبشير بوجود الرسول محمدe خاتم النبيين . وإليك ما قال ذلك الكاتب ننقله كما نقله عنه الأستاذ المرحوم عباس محمود العقاد في كتابه ( معالم النور ) جاء في هذا الكتاب القيم ما نصه : يقول الأستاذ عبد الحق : إن اسم الرسول العربي ( أحمد ) مكتوب بلفظه العربي في
( الساما فيدا ) من كتب البراهمة ، وقد ورد في الفقرة السادسة والفقرة الثامنة من الجزء الثاني ، ونصها : (( إن أحمد تلقى الشريعة من ربه وهي مملوءة بالحكمة وقد قبس منه النور كما يقبس من الشمس )) .
ويذكر في ص ( 90 ) عن الأستاذ عبد الحق أنه ذكر أن هذا الكتاب فيه أيضا وصف الكعبة وما يحيط بها من الجبال ووصف ما لاقاه النبي e من أذى وعناد المشركين ومعاناة في سبيل تبليغ الدعوة ، ثم يقول الشيخ رحمه الله : ولقد ذكر الكاتب الأستاذ عبد الحق إشارة تبشير بالنبي e من كتاب ( الزاندافستا ) أنه وصف e ببعض الأوصاف التي جاءت في القرآن الكريم فقد وصف بأنه رحمة للعالمين والله تعالى يقول في الكتاب المبين :(( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) [ الأنبياء: ١٠٧ ]
وذكر أنه يدعو إلى الواحد الأحد الذي ليس له كفء وليس له أول ولا آخر ولا ضريع ولا قريع ولا صاحب ولا أب ولا أم ولا صاحبة ولا ولد ولا مسكن ولا جسد ولا شكل ولا لون ولا رائحة .
ثم ذكر الشيخ رحمه الله في ص ( 91 ) أن هذا الكتاب المذكور جاءت منه هذه النصوص فيقول : ونترجم نبذة منها إلى اللغة الإنجليزية معناها بغير تصرف : (( إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس ويخضع الفرس المتكبرين وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام ويومئذ يصبحون وهم أتباع للنبي رحمة للعالمين وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم وأن نبيهم ليكون فصيحا يتحدث بالمعجزات )). ا. هـ
والحديث يطول ، ولكن في ذلك القدر كفاية والله الهادي إلى سواء السبيل ، وللحديث كمالة والسلام عليكم ورحمة الله .
عن مقالات للشيخ / محمد رجب أبو تليح .