خواطر في رحاب الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله وآله وصحبه ومن تبعه ومن والاه .
أما بعد &
لقد جرت سنة الله تعالى في عباده ومخلوقاته بالتفضيل بين بعضها وبعض ، ففضل بعض المخلوقات بعضهم على بعض ، وكذلك فاضل بين عباده ، بل وبين خاصته من خلقه ، من الأنبياء والرسل عليهم أفضل الصلاة والتسليم ، فاصطفى منهم أحب خلقه وأفضل رسله سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، فجعل له من الرتب السنية والمقامات العلية ، ما لا يحده حد ولا يحيط به حصر ، قال الله تعالى : (( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ )) [ البقرة: ٢٥٣ ]
قال أهل التفسير : أراد بقوله : (( وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ)) سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم لأنه بعث إلى الأحمر والأسود وأحلت له الغنائم وظهرت على يديه المعجزات وليس أحد من الأنبياء أعطى فضيلة أو كرامة إلا وقد أعطى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم مثلها وزيادة .
وقال تعالى : (( وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا )) [ الإسراء: ٥٥ ]
وخص نبيه بالتشريف والتكريم ، وحباه من الفضل العظيم بما لم يؤته أحدا من العالمين ، فشرح صدره ، وأعز قدره ، ورفع ذكره ، فقال له فيما حباه وأنعم عليه وأعطاه : (( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ )) [ الشرح: ٤ ] فجعل ذكره أمانة الزمان ، والعهد الذي أخذه على أهل الخصوصية من أنبيائه ورسله ، فقال : ((وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ )) [ آل عمران: ٨١ ]
قال الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه : لم يبعث الله نبيا من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وآله وسلم : لئن بعث وهو حى ليؤمنن به ولينصرنه ويأخذن العهد بذلك على قومه.
حتى اجتمعت كلمة أهل الحق من الفقهاء وعلماء الأمة على أن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والشهادة له والتبشير به كان شرطا في صحة نبوة كل نبي ورسول ، وكيف لا وهو أميرهم ، والكل له تبع ، ونبوته ناسخة لكل نبوة ورسالته مهيمنة على كل رسالة ، ولذلك ضرب صلى الله عليه وآله وسلم لهذا مثلا فقال : ((والذي نفسي بيده لو أَنَّ مُوسَى كان حَيًّا ما وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يتبعني )) . أخرجه أحمد في (( مسنده )) ورجاله رجال الصحيح .
وكان من رفع ذكره وبيان عظيم قدره صلى الله عليه وآله وسلم أن ضمن الله تعالى كتب السابقين عليه صلى الله عليه وآله وسلم من إخوانه من النبيين والمرسلين عليه وعليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم نعته وصفته ، وصفا واضحا جليا به يعرفونه ولا ينكرونه ، ودليل ذلك ما قاله المولى تبارك وتعالى في كتابه يشهد على أهل الكتاب بهذا العلم الذي عرفوا به النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم (( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )) [البقرة: ١٤٦]
وقال تعالى : (( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) [ الأعراف: ١٥٧ ]
فعرف الحق منهم أهل الحق فآمنوا به واتبعوه ، وأنكره وأخفاه أهل الضلالة والزيغ فخسروا بذلك الخسران المبين ، وأتوا بالكذب الشنيع . وليس لهم من الله تعالى من ناصر في يوم الدين .
وعليه فإن الإسلام اليوم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أصبحا في الآونة الأخيرة مطمعا وهدفا لكل من أراد أن يطعن بالكذب والتشكيك وقد ساعد على ذلك انفتاح العالم بعضه على بعض في عصر العولمة وإتاحة سبل الاتصال المرئي والمسموع والشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) ، فكان من ضروريات الثقافة الإسلامية أن يكون المثقف المسلم على علم كبير بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ومعرفة له ولأحواله ولقدره العظيم ، حتى يستطيع أن يواجه بثقة تلك الحملات التشكيكية التي لا تقوم على أرضية ثابتة أو مرجعية علمية صحيحة ، بل أساسها قلب الحقائق وتزييفها ، وإظهارها على خلاف ما هي عليه في الحقيقة ، وإن أشرف ما يتعلمه المسلم بعد كتاب الله تعالى هو العلم بسيرة حبيب القلوب والأرواح صلى الله عليه وآله وسلم، ومن هذا المنطلق هلم بنا نتعرف عليه صلى الله عليه وآله وسلم ، ونقولها حقا لاريب فيه : رب ضارة نافعة . لعلهم أرادوا منا أن نضل عنه ، فبحثنا لنزداد حبا له ومعرفة به صلى الله عليه وآله وسلم .