وكان أيضا من أعظم شهادات أحبارهم وكبار علمائهم ما جاء عن الجارود بن المعلا حين وفد مع قومه إلى رسول الله e ذكر ابن عساكر في (( تاريخ دمشق )) قصته بسنده إلى ابن عباس قال : فلما دخل القوم المسجد وأبصرهم أهل المشهد دلف الجارود أمام النبي e وحسر لثامه وأحسن سلامه ثم أنشأ يقول :
ثم شهد له فقال : والله لقد جئت بالحق ونطقت بالصدق ، والذي بعثك بالحق نبياً ، لقد وجدت وصفك في الإنجيل ، وبشر بك ابن البتول فطول التحية لك، والشكر لمن أكرمك لا أثر بعد عين ، ولا شك بعد يقين.. مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله . ثم آمن قومه معه .
فهذا الجارود كما هو معروف من علماء أهل الكتاب وقد أقر بقوله (( وبشًّر بك ابن البتول )) تجد تصديق قوله هذا من قول الله تعالى: (( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ )) . [ الصف : ٦ ]
وإذا نظرت مثلا في الإنجيل تجد تشابها بين هذه الاية ، وبين ما ذكر عن عيسى عليه السلام والذي قال عنه المهتدون إنه من البشارات عن عيسى عليه السلام بسيدنا محمد e مثلا في ( يوحنا 14: 15ـ 17 ) ( 15: إذا كُنتُم تُحبّوني عَمِلْتُم بوصايايَ. 16 وسأطلُبُ مِنَ الأب أنْ يُعطيَكُم مُعَزِّيًا آخَرَ يَبقى مَعكُم إلى الأبَدِ.17 هوَ رُوحُ الحقِّ الذي لا يَقدِرُ العالَمُ أنْ يَقبَلَهُ، لأنَّهُ لا يَراهُ ولا يَعرِفُهُ. أمّا أنتُم فتَعرِفونَهُ، لأنَّهُ يُقيمُ مَعكُم ويكونُ فيكُم ) .
وفي ( إنجيل يوحنا 16 : 7 – 15 ) : ( لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق.لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي.ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. جاءَ ووَبَّخَ العالَمَ على الخَطيئَةِ والبِرِّ والدَّينونَةِ : 9 أمَّا على الخَطيئَةِ فلأنَّهُم لا يُؤْمِنونَ بـي 10 وأمَّا على البِرِّ فلأنِّي ذاهِبٌ إلى الآبِ ولَنْ تَرَوني ، 11 وأمَّا على الدَّينونَةِ فلأنَّ سيِّدَ هذا العالَمِ أُدينَ وحُكِمَ علَيهِ. 12عِندي كلامٌ كثيرٌ أقولُهُ لكُم بَعدُ، ولكنَّكُم لا تَقدِرونَ الآنَ أنْ تَحتَمِلوهُ. 13 فمَتى جاءَ رُوحُ الحقِّ أَرشَدَكُم إلى الحَقِّكُلِّهِ ، لأنَّهُ لا يتكلَّمُ بِشيءٍ مِنْ عِندِهِ ، بل يتكَلَّمُ بِما يَسمَعُ ويُخْبِرُكُم بِما سيَحدُثُ. 14 سيُمَجِّدُني لأنَّهُ يـأخُـذُ كلامي ويَقولُهُ لكُم . 15 وكُلُّ ما لِلآبِ هوَ لي ، لذلِكَ قُلتُ لكُم : يأخُذُ كلامي ويَقولُهُ لكُم.)
وكذلك جاءت بعض أوصافه في التوراة ، من ذلك ما يتفق بوصفه e المعروف عند أهل الإسلام بكونه (( النبي الأمي )) ، فتجد هذه الصفة في (( سفر إشعياء (29 : 12) بشارة هذا نصها: ( 12 أَوْ يُدْفَعُ الْكِتَابُ لِمَنْ لاَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَيُقَالُ لَهُ : اقْرَأْ هَذَا . فَيَقُولُ : لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ ) .
ألا تجد أيها القارئ الحبيب اتفاقا وتشابها مع الرواية الإسلامية التي يعرفها المسلمون في بداية الوحي إلى رسول الله e ، وقول جبريل عليه السلام له : اقرأ . وهو يجيبه e :
(( ما أنا بقارئ ))
وهذه البشارة في التوراة يصدقها قول العلي الأعلى : (( الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ))[ الأعراف: ١٥٧]